ادب الخطبة والخطباء

ادب الخطبة والخطباء -------------------------------------

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله اما بعد:قال بعض الفضلاء:ابلغ الخطب ما وافق الزمان والمكان والحال ففي زمن صيام رمضان مثلا يبين الخطيب للناس حكمه واحكامه والمقصود منه، وينهام عن البدع التي تحدث فيه مبينا ضررها.وفي عيد الفطر يبين احكام صدقة الفطر ولايحسن به ان يستبدلها ببيان احكام الاضحية او غير ذلك ويتركها بتاتا.وفي مكان تفرق اهله يخطب فيهم بالاتحاد،او تكاسلوا عن طلب العلم حثهم عليه،او اهملوا تربية ابنائهم حثهم ايضا عليها..الى غير ذلك مما وافق احوالهم ويلائم مشاربهم ويناسب طباعهم،يخطب في كل مكان بحسبه،مراعيا احوال العالم،بصيرا بمقترفاتهم الحاصلة في خلال الاسبوع ،فينهاهم عنها وينبههم عليها متى رقي منبر الخطابة عسى ان يهتدوا طريقا قويما.ثم قال:
كيف كانت الخطب في الصدر الاول؟كانت الخطب في الصدر الاول لها المكانة العالية والمقام الاسنى.كانت موضوع المفاخرة بين العرب كما يفتخرون في الشعر،كانوا ينتقون من جواهر الالفاظ اعذبها واظرفها واحلاها،ومن المعاني ارقها وادقها واغلاها،ومع ذلك فكانوا يضمونها آيات من كتاب الله تعالى لتزداد حلاوة وطلاوة حتى انه ليعاب على خطبة ليس فيها آية من القرآن الكريم.بلغت زمن الخلفاء الراشدين عنفوان شبابها فان القرآن بما اشتمل عليه من ابدع الاساليب اعانهم على الخوض في عباب التفنن في دائرة الارشادات الجاذبة بمغناطيسها الافئدة.كانوا لايتقيدون بوقت بل كلما دعت الحاجة اجتمعوا فألقيت عليهم استشارة او وعظ او تذكير كان الخطيب اذا قام لأمر ما سحر الالباب وملك بمرصعات المواعظ ما لا يملك بمرهفات السيوف والرمح.يؤلف بين من تفرق ويسكن الفتن ويزيل المخاصمات ويقطع المنازعات يقيمهم ان شاء ويقعدهم ان اراد بقوة اقتداره وشدة تأثيره.ثم قال:ومتى حدث الانحطاط في الخطب؟ان الخطابة قبل كانت بيد الخلفاء الراشدين والرؤساء العظام وكانت موضوع احتراس.كان يخطب الخطيب قائما"الاخطبة النكاح"آخذا بيده عصا او مخصرة او قناة او غير ذلك فلما جاءت الدولة المروانية واستولى الترف وعم وتولى كرسي المملكة الوليد ابن عبد الملك بن مروان بدأ يخطب-وااسفاه-جالسا ترفعا منه واستهانة بهذا الموقف الجليل.ومن هذا اخذت الخطابة في الاضمحلال والتلاشي فكان آخر خطيب اجد من ائمة الاسلام المأمون بن هارون الرشيد من خلفاء الدولة العباسية وترك الملوك الخطابة ووكلوا امرها كغيرها من الامور لغيرهم فصارت منحطة القدر بعد الرفعة وموضع الاستهانة بعد التجاة تولاها اناس ما قدروها حق قدرها وما دروا المقصود منها بجهالاتهم المطبقة حتى انك لو خاطبت احدهم عن الخطبة التبعة وتغييرها بما يستدعيه الزمان ما اجابك الا بقوله لايكن للنفوس الآن ان تتزحزح عن غيها وان الخطب الآن هي من قبيل الرسوم فلا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.فأنت ترى اليوم ببغاء كل منبر ينفث سموم الاماتة والتدمير والاقعاد عن العمل متمسكا بمثل قوله رحمه الله"امن تقتني الدنيا وانت تموت،ولمن تبتني العلياء والمقابر بيوت..الخ"مما امات الامة غافلا عن قول سيد الزاهدين"اعمل لدنياك كأنك تعيش ابدا،واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا"ثم قال:
شرط الخطيب:يشترط في الخطيب ان يكون
*عالما بالعقائد الصحيحةحتى لايزيغ ويؤذي الناس بسؤ عقيدته في درك ظلمات الضلال فتسوء العقبى.
*وعلم الفروعكي يصحح العبادات بما علمه من علم الفقه ولأنه عرضة يسأله المأمومون في الاحكام فيجيبهم عن حقيقة ويهديهم بنور الشريعة الى صراط مستقيم لا يهرف ويخبط عشواء في امور الدين بجهالاته كاغلب الخطباء والائمة اليوم فرحماك اللهم رحماك.
*واللغة العربيةوبالأخص علم الانشاء كي يقتدر على تأليف كلام بليغ وتنسيق درر مضيئة يشرق نور اسرارها على افئدة السامعين فيسحرهم ببديع لفظه ويختلب البابهم بجواهر آيات وعظه.
*وان يكون نبيهاكي لا تعزب عليه شاردة الا احصاها ولا واردة الا استقصاها ولينظر بمنظار التأمل والانتقاد ويغوص في بحار الشريعة فيستخرج لآلئ الاحكام ودررها من غير ما يعتريها تشويه ولا يشوبها كلل.
*وان يكون لسنافصيحا منطلق اللسان معبرا عما يخطر بباله من المعني الكامنة في ضميره يبرز ما انطوت عليه السريرة من جليل النصائح وجميل الارشادات مما يكفل السعادة للعباد.
*ووجيهاتهابه القلوب وتجله العيون وتعظمه النفوس يهبه الصغير ويوقره الكبير حتى لكلامه تأثير ويجد له سميعا يعي ما يقال ويعمل بما يسمع.
*وصالحاتقيا مهذبا ورعا قنوعا زاهدا غير متجاهر بمعصية ولا متلبسا بمخالفة يفعل ما يقول فان ذلك ادعى الى قبول الموعظة منه.قال الشاعر الحكيم ابو الاسود الدؤلي رضي الله عنه:
يا ايها الرجل المعلم ** غيره هلا لنفسك كان ذا التعليم
تصف الدواء لذي السقام وذي العنا ** كيما يصح به وانت سقيم
ونراك تصلح بالرشلد عقولنا ** ابدا وانت من الرشاد عديم
ابدأ بنفسك فانهها عن غيها ** فاذا انتهت عنه فأنت حكيم
وهناك يقبل ما تقول ويشتفى ** بالقول منك وينفع التعليم
لاتنه عن خلق وتأتي مثله ** عار عليك اذا فعلت عظيم
ولله الامر في عباده يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد والى الله المصير.انتهى
قلت"الالباني":لقد فات المصنف رحمه الله تعالى ان يضم الى الشروط المذكورة شرطا آخر هاما اخل به كافة الخطباء في عامة البلدان مع الاسف الا وهو ان يكون عالما بالسنة عارفا بما فيها مما لم يصح،حتى لا يكون سببا لأذاعة الاحاديث الضعيفة والموضوعة بين الناس،فيضل ويضلوا به،وما اكثر الاحاديث الواهية التي ينشرونها بمناسبة بعض المواسم البدعة وغيرها.




من كتاب((اصلاح المساجد من البدع والعوائد))للعلامة((محمد جمل الدين القاسمي))خرج احاديثه وعلق عليه((محمد ناصر الدين الالباني))

نقلا عن
http://www.rouqyah.com/showthread.php?t=66738